علي الستراوي- دروب:
“أرى الموسيقى” هو المعرض الشخصي الأول لعائشة حافظ والذي أقيم في ” دار البارح ” في العاشر من فبراير الماضي في مملكة البحرين والتي عرضت فيه حافظ بعض من أعمالها النحتية وجاءت 42 قطعة خشبية منحوتة، غلب عليها الأسلوب الحداثي بلغة تجريدية، طليت بعضها بدهان وأصباغ لونية وأخرى حملت ألوان من ثيمتها التكوينية.
ولأن النحت يختلف بتنوع أسلوبه عن باقي الفنون الأخرى مما يعكس بعد تعامله مع الأشكال والمجسمات الأخرى ذات الأبعاد الثلاثية، لكن هذه الأبعاد تتجلى في بعدها الإبداعي بقدرة النحات الفنية في تحريكها ومجاوراتها بالفنون الأخرى, وبالأخص الموسيقى والشعر.
فعائشة حافظ عندما انتقت من الطبيعة تلك الأغصان وتلك الخامات الجامدة التي عصرتها وإعادتها مرة أخرى للحياة من جديد، بشكل آخر وبلغة أخرى بينها وبين الواقع ذاكرة للحلم، اعني بالحلم حلم عائشة في جدائلها المتصلة باختلاجات قلبها من ناحية العرض والتوظيف عبر لغة في اعتقادي هي نوع من تبادل لوظائف عدة تتصل بالطابع الزخرفي والتصويري، بمعنى عرض يثير الذاكرة ويحرك منها الكامن نحو بيت الشمس في ثوب ورؤية مغايرة عن المألوف.
لغة تلقائية و شفافة تقود عائشة نحو سر الفراعنة
وكأني أمام أعمال عائشة حافظ، ذلك الإنسان الحضاري القادم من حضارة الفراعنة، حيث التقويم الزمني في لغة مبتكرة ذات اندماج ثقافي واحد قد قربته حافظ عبر منحوتاتها، التي أبرزتها حافظ والتي ترجع بنا نحو التأمل لأبعاد الحضارة التي أثرت بجدلها العلمي والثقافي البيت الحداثي في تجاورها للفنون، وذلك لاقترابي من أعمال حافظ في ومحاورتها والتي إن جاز لي إعطائها اسم ” صحوة النائم ” هذه الصحوة التي قد قادت الفراعنة عبر فنونهم نحو فكرة الحياة والبعث والنشور كما أبرزتها معالمهم التاريخية فوق الجدران والمعابد وتوابيت الموتى و عبر تماثيلهم التي سجلت ماسجلت من أفق حضاري لازلت شواهدها محيرة للعقول.
فاقتراب حافظ من تلك الأبعاد الفنية لسر النشور، عبر نحوتاتها دليل على ان حافظ من الوعي بحيث انها دائماً تقلب أوراق لغتها بين نبض يجبرها على الذوبان في المعنى وبين لغة تقودها نحو تحريك الصامت في الخشب.
ومن يرى حافظ المرأة عبر سرحانها يدرك ان هذه المرأة يضنيها اكثر ما يضنيها هذا السر الفلسفي من ” جدلية الحياة ” هذه الجدلية التي قد يقرأها من يرى عائشة ويتحدث معها، حيث بين مدائنها تلك المدينة الحالمة والنائمة كطفلة صغيرة تهدهدها بحنان ذلك المنحوت من مخلفات الأرض والطبيعة من اشجار واشياء عضوية، احتضنتها عائشة فشكلت منها لغتها، متخدة سرها من لغة الخشب تارة ومن بقايا فطرية تارة اخرى، الا انها عجنت كل هذه المنمنمات داخلها ببصيرة وتروي و ان جاز لي تسميتها منمنمات، لأعتقادي ان تلك الاشكال المنحنية والمعوجة بسلاسل القيد والمتداخلة بين الجسد وبين الأعضاء الأخرى والمتسطحة بشفافية ورقة الشجر، كلها تعطينا بعداً سيسلوجيا يقودنا نحو ذلك الحب الكامن في روح هذه الفنانة.
كون الموسيقى لغة للحياة وكون النحت مدخل جديد وقديم الفكرة، بينه وبين الموسيقى والشعر ذلك الرقص الحنون من العناق الدافيء، وهي لغة حافظت عليها عائشة واستلهمتها في مدارها الفني.
اشكال تتجاور وتحب
عندما اقول عن اعمال عائشه حافظ انها اشكال تتجاور وتحب، اعني بهذا اللون الذي احتوته لغتها، بين رقص لظلٍ ورقة لمتأمل, اقصد بهذا المعنى، ان حافظ استطاعت أن تفتح نافذتها على مد البصر من حيث التمكين عبر مجاورتها الأشياء وترك بعضها على سجيته في عناقه للحياة، اشكال ابرزت مع الموسيقى حركت تفاعيل الشعر الموسيقية التي قد اشير اليها بين منحنى وآخر سرحان، بين جد وبين شعور بواقع الحب، هذا الشعور قادنا نحو النافذة التي في اعتقادي قد وظفتها عائشة مستفيدة من برائتها وسرحانها الدائم، حيث في كل الوجوه يقابلك وجه عائشة وهي تبتسم، ولكن المتأمل لشفاة عائشة لحظة ابتسامتها، يقرأ ذلك القلق المدفون بداخلها، قلق قد قربته عيناها من منحوتاتها التي مهما قالت عنها الفنانة انها صغيرة تبقى في نظر العشاق لهذا النوع من الأعمال ذاكرة مفتوحة على ابعادها، تشير نحو المتأمل و نحو جادة الحياة، لأن الحياة في منحوتات عائشة، تلك الحياة التي نشعرها بين شد وجذب، نحو جادة للصلاح واخرى للضلال، فالعبرة هي التي تحد ماهية الشيء وقيمته بين الأشياء.
فعندما اشارت عائشة في مقدمة سيرتها بانها : ” طفلة في فضاء الفن من حيث التجربة وتراكم الخبرة ” اقول لها قد تكون جهاتك دهاليزها ضيقة في التجربة لكنها واسعة نحو الجد وملامسة الاشياء وكسر المألوف واقترابك من حركة القلب وترك الجامد حياة في انشغالات العين.
كل مجاوراتك بالفعل اخذت حيزاً حفز الذاكرة نحو الحلم مخرج هذا الحلم من كفن الموت نحو اخضرار الحياة، عبر شجرة لازالت مثمرة وهي انتِ في محيط من عرفوا لغتك الموسيقية، ذات الابعاد النحتية، فالاشياء لاتعاد من فراغ وانما من ذاكرة حياتية خصبة وهذا لاشك فيه كونك امرأة عصرتك الحياة، فعرفتي كيف تهتدين وتُهدين الآخرين بنحوتاتك نحو موسيقى الحياة.
وليظل لعبك محمود التجربة، ومثل ما عشقت واحببتي الحياة ستظل اوتارالحياة هي (هورمونيتك) تجد عطائها بدماء جديدة للأخرين، لأنك منحتي الصامت حياة وحركت جلمود الصخر.
وتبقى التجربة، برهان للغتنا الأخرى في مخاطبة الأشياء.
رؤية وفضول الشعر
ُبعد لذاكرة متأملة لأعمل عائشة حافظ، أمسكني الشعر من تلابيب قلبي فكانت تلك الكلمات :
ايتها الريح. .
ايتها الموسيقى. .
يالغة المنحنيات والجدل
الم تخش حب عائشة …
انها شكلتك نبض وذاكرة
فانحدرنا معاً عبر الغيمة الساحرة
عبر حنين السماء وصحوة الأرض
كانت لعائشة وقفة الشاهد
فلتشهدي ايتها الريح لها بالحياة
وليشهد لها الأزميل بصحوة الحب.
بين كل هذه الثيمات التي جمعتها عائشة حافظ عبر معرضها الذي افتتح مؤخرا في صالة الرواق بالعدلية، ظلت عائشة ذاكرة لوردة حنونة تبحث بين المنحنيات عن شبيه غفلتها بين قميص الشعر، واعتقد قد التقيا تحت مظلة الحياة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق